بقعة واحدة ، لسان واحد ، سماء واحدة ، والبحث عن الاتفاق الجوهري

.

السبت، 25 مايو 2013

بلا ملل...

By 12:18 ص
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته
 
 
 
 
خفت الحركة في الشوارع ... هدأت اعين الناس و سكنت الانفاس ...
 
رجع متثاقلا ينظر الى زميله المتنطط نشاطا حتى هذه الساعة المتأخرة من الليل ...
 
قال ... اهدأ اهدأ لم يعد هناك أحد لتخدمه ... تعال اجلس ارتح قليلا لعلك تجد نشاطا ليوم غد ، فلن ينتهي العمل قريباً...
 
زميله بنشاط و حيوية فائقة رد ، لا أنا كلفت بأن أعمل طوال الوقت و سأفعل لن اتكاسل و لن أتوقف وأن أردت فافعل ، فحتى إن لم يكن هناك أحد فهذا لا يمنع من أن أقوم بواجبي على أكمل وجه...
 
هز رأسه متنهدا وهو في الاستغراب غارق ... لك ذلك يا زميل ... لك ذلك ...
 
ببطء حركة كأنه يفقد طاقته كاملة ...جلس ... قال ماذا عساي أن أفعل ... أعمل أجتهد ولا اتوقف ، و لكن هل يأبهون ؟ هل يهتمون ؟ هل يطيعون؟
 
يا رجل وكأنني غير موجود ولم أكن يوما ، و هم يرونني و عيني بعينهم احيانا ولكن... هيهات ...
 
قالها لصاحبه الذي دخل مسرعا هيا هيا اخرج انه دورك!!
 
هز رأسه غير مبال بذلك ... مشيرا بيده ان لا عليك ... قال
 
 ومن يهتم و أين هم الان ؟ انهم نيام في دافئ فرشهم ... تعال اجلس
لا يصح أن تفعل هذا انهض عليك أن تعمل و تجتهد حسب اتفاقك مع من تعمل لصالحه ، لا يصح أن تخون الأمانة هكذا
 
- أنت لا تعرف ما أعانيه ولا تدري خيبات الآمل فيما أمر به
- أنا أرى أن الجميع يأخذ بما أقول و يفعل دائما ما اشير به و هذه وظيفتي ماذا أريد أكثر من ذلك ؟
 
أنت ؟ بضحكة خافتة ... إنهم يفعلون ما تقول لانهم اساسا يفعلونه وليس لأنك تقول و تشير إليه و تنصحهم به ، لا تقنع نفسك بأنهم حقاً يأخذون بمشورتك أو أنهم يطيعونك أو حتى إليك ينظرون ... افق يا زميلي انهم لا يأبهون بنا
 
- كيف لا و نحن هنا لأجلهم و لأجل نصحهم لما ينفعهم ، أنت غاضب لهذا لا ترى فائدة ما تفعله ...
هيا انهض انه دورك ...
نعرف فائدة ما نفعله تماما و أنت تعرف أن دوري أهم بأضعاف من دورك فمشورتي في مصلحتهم و رأيي ينفعهم ، ولكن هل من مبالٍ بما به اشير عليهم ، هل منهم من يعيرنا اهتماما؟ كأننا لسنا هنا ...
 
- تذكر ذاك الرجل؟ الذي اشرت ونصحته بنصيحتي له و استعجل واخذ قراره و نفذه و لم يسمع لنصيحتي؟ تذكر ما حدث له ؟
 
- اه لا تذكرني بذاك الموقف المؤلم... احمد الله انه لم يصادف ان يكون في وقتي ابدا كهذا الموقف ، لا ادري كيف احتملته ..
 
- كيف احتملته؟ تقطع قلبي لرؤية ذلك و لكن ما عساي ان افعل أكثر من ان اعطي النصيحة الخالصة في وقتها وعليهم هم ان ينصتوا ولكنهم لا ينصتون أرأيت؟ ما اعنيه ما اقصده اليس هذا محبط بالله عليك؟
طأطأ قائلا ما عساك ان تفعل؟ أنت تعلم اننا ما كلفنا الا بتوجيه النصيحة ما استطعنا ، و النصح بوضوح و تبيان الرأي بما لا يجعل شكا فيه ، و ما بعد ذلك ليس علينا ان يأخذ احد بنصيحتنا ام لا حتى ان سبب ذلك في اذاه فليس علينا ما يتخذه من قرار بعد سماع لنصيحتنا ... وعلينا في ذلك ان نكون مخلصين في عملنا وان لا نتكاسل عنه مهما حدث الا ان تخرج الارواح منا ...
تبسم ووجه يكسوه الاحمرار ...
 
ما لا يعرفه احد ولا يرونه... أنني حين اختفي أثناء دورك انت... اجلس افكر محاولا الوصول الى حل وطريقة تجعل الناس تنتبه لي وتتبع نصيحتي وتطيعها فقط لأجل سلامتهم لأجل حياتهم لن احصل منهم على شيء واجدني اخرج من التفكير بالركض لأخذ مكاني عندما تكمل انت ... وأنا أرى الفرحة على وجهك أن ما تفعله يطبقونه كاملا وأراك متناسيا أنهم يطبقون ذلك في وقتك ووقتي فلست تهمهم أنت أيضاً ولا يكترثون لك لأنهم على كل حال سيقطعون الطريق ويستمرون في وجهتهم خضراء كانت الإشارة بك ام بي انا حمراء...

 
كنت على حق عندما قلت ...ليس علينا ان نجبرهم على التطبيق بل علينا الاستمرار في اداء واجب النصيحة على اكمل وجه
 
 
فما نحن الا إشارة مرور ثبتت ليقال ان هناك إشارة للمشاة... أما حياتنا ووظيفتنا فلا اهتمام من أحد بها ولا يبدو أنها تساوي شيئا لدى احد...
 
شكراً
أكمل قراءة الموضوع...

الأربعاء، 1 مايو 2013

الظل...

By 4:31 م
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته





صغيرة نافذته على الشارع ... يغطيها المبنى المجاور بطوبه الاحمر المتردي بزمن ماطر وصيف حار بالندى قاطر...
 
صغير هو المربع الذي فيه يعيش ، ملابسه خلف الباب على مسامير معلقة ، ثلاجته قصيرة تلفازه بلا ألوان فراشه لا ينام عليه لوحده ... فالعث يملأ الثنايا واعتياده عليه يؤنسه... سقف به خارطة لم يجد لها موقعا في العالم ، فالشقوق تشكلت وظلال مصباح الزيت صورتها أكملت ... 
 
شقوق خشب الأرضية تأوي من الحياة ما لا علم له به ...وعيه بنقصان فتات الخبز من كل رغيف يحصل عليه آخر يوم عمل ينبئه بمن يعيش معه ... يذكر مرة عند زيارة صديق... انه استعمل ماء دافئ ... فدورة مياهه ليس فيها مصدر ماء جاري او صنبور... سخان مياه او أنبوب غاز لطهي الطعام... ويكفيه إناء وكوب يستعمله... 
 
لمعة حذائه غريبة ... بطن الحذاء يفتح مجالا واسعا لدخول حتى الحصى الكبيرة ...
فرحٌ متباهي أنه لا يدخن ... ولا يفكر في صحته بذاك التباهي إنما لأنه مستغني عن السجائر لشح ثمنها في جيبه ...
 
صفير حاد لاذع لبابه عند فتحه والإغلاق ... يعمل كعلامة لجيرانه انه خارج او ها قد عاد ...
خير يومه ان يبدأ باكراً ... لا يراه أحد عند خروجه مغطى بكحل قبيل الفجر ...
 
خطوات بعد أخرى يقطعها في ممره الضيق ليخرج لاتساع الشارع المغطى بتراب تحت الأوراق والعلب والقناني مكسورة الرأس ... ظلمة في كل الزقاق ... الا من شرفة على يمينه يضاء مصباحها يعكس ظلا يتراقص مع الستار يجلس يرقب خروجه بلا حراك ... 

 
ينتهي نهار حار مُنهك مُرهق ... يقف حيث مدخل زقاقه الضيق المنتهي ببابه صاحب اللحن الحاد ... يرفع حاجبه ليرى الظل في مكانه كأنه في استقباله ... أطرافه تتراقص لا تزال مع انعكاس نور المصباح ...
 
دون زيادة في الانتباه والنظر ... يتجه لبيته ... يعزف لحن فتح الباب فتحا واغلاقا... 
اتكأ على الباب مع إغلاقه ... رفع رأسه للسقف ... مع اتساع صدره ممتلئا بنفس لأعماقه الهواء سحب ... 
هز رأسه بالنفي لتحقق امنيته ...
استقبله فراشه مرتميا عليه... ليتوه في نومه ...
تنشط الحركة في الغرفة من حوله ... يمر الوقت ...
 
ارتدى بدلة جديدة وحذاء جديد وأغدق على نفسه من عطر وطيب ... 
خرج فرحا متطايرا كريشة في ربيع يوم بنسمة...
نظر الى الشرفة فرأى ابتسامة خجل ترمقه صاحبتها بعين فرحة ... 

 
طرق الباب ... استقبال وترحيب وبارد شراب ... ابتسامة عريضة يحملها الجميع في استقباله ... أطراف أحاديث قطعها بأن على بركة الله وسنة نبيه اطلب يد ابنتكم ... فهل نسيبا لكم تقبلون؟

سُئلت العروس ... بصمت الخجل أجابت ...

ترحاب وفرح ، زغاريد ملأت الزقاق ووزعت الحلوى 
 
ليلة الزفاف كانت ... هل حقا حقق ما تمناه بعد انتظار وافتقار ... لا يكاد يصدق ... وهو الذي لم يعرف الا ظلها ... وها هي نجمة بل بدر في ليلة صفاء احاديثها نسمة مساء ... يكاد ... بل إنه يطير من الفرحة ... تحققت الأماني التي نفسه عقله قلبه شغلت ... 
الكل فرحون ... 
قال أنار البيت وهلل ... بعد ان أغلق الباب بدخولهما ...
هذه مملكتك قال لها ... و انا......
سمع طرق الباب ... لم يبالي به وقال وأنا ...
طرق على الباب بقوة ... من هذا يا ترى؟ ليس هذا أوانه ...
 
زاد الطرق على الباب حدة ... حتى ايقظه من حلمه فزعا متألما أن لم يحظى حتى بحلم مكتمل ...
فتح الباب متعثرا ، عين بعين ... 
فلم يجد أحدا ... الا آثار ضحكات ... فهذه عادة اولاد الحي وإزعاجه جزء من تسليتهم 

  
طلة على ثلاجته الخاوية ...
أعطى التلفاز شحنة كهرباء ليستمع لأخبار العالم الذي لم يهمه قط ... 
صفير من سريره عندما جلس ... يديه على ركبتيه متكئا بها على خده ...
ينظر لقدم حذاء ويراقب إصبعا يطل من جوربه ...
قال ... لما لا؟ 
سأخطبها من أهلها ... سأكلمهم ... 
صحيح أنني لا اعرف من يسكن ذاك البيت ومن تكون صاحبة ذاك الظل ومن أهلها ولكن لا بأس من طرق الباب ومعرفة أهل الدار وما يكون لديهم من جواب ... 
غداً... بتصميم كررها ... غداً ... كفاني أحلاما كفاني خيالا ... سأحقق ما أريد ... ليكن ما يكون ...
سمع صوتا ليس بغريب ... صوت كما لو انك ألقيت صحنا معدنيا في واد جارف عمقه سحيق ليتخبط يمينا ويسارا ... لم يستغرب لأنه يعرف انه لم يأكل شيئا ونسي ان يأتي برغيف الخبز لأنه لم يتقاضى أجره اليوم لانشغال صاحب العمل عنه ...
وكان النوم افضل كاتم لذاك الصوت بعد شربة ماء ...
 
دبت الحياة في غرفته مع إطفاء لهب المصباح وبداية ألحان انفاسه ... لأن النوم دون وسادة قد يجعل الرأس في وضع لا يتوقف فيه عن إصدار ألحان نوم عميق ...

 
اغتسل وتهيأ ... رتب نفسه وتعطر بعود بخور ... خرج بهدوء وجهته مسجد قريب ... يسمع خطيب الجمعة يتحدث عن العفاف والطهارة والاستقامة والأخلاق ... 
السلام عليكم ... ورحمة الله وبركاته ...

 
بقي مكانه يسبح يدعو ويذكر ... حتى فرغ الإمام من الحديث مع كل من صافح وهنأ واحتضن واستفسر وسأل ...
اقترب منه مصافحا ...
- السلام عليكم شيخنا...
- وعليكم السلام 
- انا اسكن قريب من هنا ... جار المسجد ...
- أهلا بك ولكنني لم أرك من قبل في الحي! ولا المسجد؟
- صحيح شيخنا ذلك لأنني اخرج للعمل باكرا وأعود متأخرا غالبا ... ولكن أطفال الحي وشبابه يعرفون بيتي جيدا ...
- أعانك الله ويسر أمرك. 
- بارك الله لك شيخنا أردتك في أمر قد تكون عونا لي فيه ...
- ان كان بمقدورنا أكيد...
- أنوي ان أكمل نصف ديني يا شيخ وأردت ان تصحبني لخطبة بنت الحلال 
- بارك الله لك وهذا خير قرار تتخذه ، اين ومتى يا بني؟

 - سأطرق بابهم اليوم و أحاول أخذ موعد من اهل الفتاة اليوم وأعلمك ، فقط أردت ان اطمئن انك ستكون معي لخطبتها .
- على بركة الله...

 
صفير بابه يعلو بعد نظرة وابتسامة  للشرفة والظل يزينها... أن قريبا نكون معا...
 
ارتمى على الفراش وفي نفسه دعوة وآمل ورجاء ... يسأل نفسه ... ماذا دهاك؟ ماذا تفعل؟ 
حتى أنني لا اعرف أهلها ولم ارهم من قبل... أهلها؟ انا لم أرى وجهها ولم اقابلها من قبل... 
انقلب على ظهره متنحنحا يتنفس بضجر... لا أستطيع ... لا أستطيع الانتظار ...
استقبل الباب وخلفه مسرعا تركه... في مفترق الشارع وقف... عن من يسأل يبحث... من يعرف أهل هذا البيت ... 
وقف أمام بابهم ... رتب نفسه عدّل هندامه ...  طرقه ... بصره بين حد الشارع و الباب يتقلب ...أعاد الكرة ... طرق الباب ... لا احد في الشارع يمر لعله يريح شغف سؤاله بإجابة تبرد قلبه ... 
 
ولا جواب من الداخل... 
 
لن ابرح قبل الثالثة ... رفع يده ... لمح ظلا يسد ضيق الزقاق ... اسرع اليه .. منه اقترب  ... أهلا يا شيخ ... رد العجوز بان قرّب أذنه اليه ان لا اسمعك ما تقول؟
اقترب منه وأشار الى البيت سائلا...
- هل تعرف أهل هذا البيت؟
- ما بال هذا المكان؟!
- لا لا... هل تعرف من يسكن هذا البيت؟
- تريد ان تعرف صاحب هذا المكان؟
- نعم أريد ان اعرف من صاحب هذا المكان؟
- ولما تريد ذلك؟
- لأنني أريد ان...
 
نظر حوله قبل ان يزيد حرفا آخر والتصق بأذنيه وتمتم له بما يرغب...
كاد العجوز يسقط على ظهره مع دوي صوت شهقة ضحكة عالية تغلغلت في شقوق المكان والآذان من حوائط واسماع 
 
- ماذا هناك يا شيخ؟ ما الذي يضحكك؟
كاد العجوز يقع من شدة الضحك ... تريد ان تخطب ... استمر الشيخ في الضحك وهو يحاول ان يتكلم ليكمل جملته 
لولا ان سدت يده فم العجوز مترجيا ان لا أرجوك لا تُسمع الجميع. لا تفضحني بالله عليك ...
يكاد الدمع يغرق جفنيه من شدة الضحك والقهقهة ...انحنى  ليهمس في إذن الرجل وهو يجاهد ضحكته ... 
وقال ...
 
رجع برأسه ناظرا الى الشيخ وملتفتا الى البيت والنافذة...
تجمد بصره محدقا في شعث بياض حاجبي الشيخ ... ودموعه تكاد تقفز تبللها والضحكة تكاد تخنق انفاسه تمنع كلماته .
بالكاد قال له ماذا تقول؟
ماذا أقول؟
هاهاهاها انت ... ماذا دهاك هاهاهاها ماذا تفعل...
 
صدحت في أذنيه الضحكة ودارت بدنياه ... والعجوز يدخل بيته وخلف الباب أطلق ضحكة مدوية ظن بها انه فارق الحياة...



تثاقلت حاملة جسد خائر ... قدماه المتعبة ... كأنها للتو شعرت بأن الحذاء يترك فجوة فيه ليصلها بالتراب ...
أمام النافذة واقف ينظر لظل آسر ليله واحتل فكره واختطف عقله ...
رفع رأسه الى السماء منحنيا بظهره للخلف ... أطلق ضحكة صمّت أذنه ... 
ظهره للنافذة راجعا لبيته يتمتم ضاحكا ...

مشغل خياطة؟ هذا مشغل خياطة؟ ... هذا حالك يا عبد الله ... تحب ظل دمية خياط؟
 
ذهب لبيته و بقيت اصداء ضحكته و ضحكة العجوز تملأ المكان لسنين قادمة



شكراً
 
أكمل قراءة الموضوع...