بقعة واحدة ، لسان واحد ، سماء واحدة ، والبحث عن الاتفاق الجوهري

.

الخميس، 27 أكتوبر 2016

من قصص القطيع...

By 8:50 م
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته 





بين الأضلع حُفرت الأخاديد و إنحسرت البطون و خف الجهد بين كل أفراد القطيع … و الوعد من القائد مستمر … أن الوليمة الكبرى آتية و أن موسم الصيد سيكون و فيرا، و ستمتلئ بطونهم وتنتفخ كبطنه تماما … بطنه كإنتفاخ بطن معاونيه … وأقل منها إنتفاخا بطون أولائك الذين يتقربون من معاونيه و زوجاتهم أيضا… 

سُمع عواء تنبيه إقتراب قطيع أبقار وحشية تبحث عن العشب في الجهة القبلية من بقايا البحيرة الملحية… فإستُهلك كل ما في الأجساد من طاقة للخروج و الأعين مليئة بأمل طعم اللحم ينزلق يُلين البلعوم … و الأسنان تقطع ولا تمضغ … الحلق يبلع و البطن لا تشبع… 

وقف الجميع في إنتظار إشارة من كان بينهم ببطن كبيرة … وما أن حدد الهدف بأضعف فرد بين البقرات الوحشية لا يملك قرونا و لا يبدو أن له علاقة بالقطيع وطيدة … منزويا عنهم مبتعدا بحجة أن نفسيته كئيبة لمنع قائد القطيع له من التزاوج مع إبنته الوحيدة… 

حتى تسلل الجميع خفية بين الحشائش و الصخور تربصا بتلك اللحمة الوحيدة … أقتربوا من تحقيق الأمل … والحظوة بليلة سعيدة… وشبعة بطن فريدة…

من بين الأشجار أخرج الجوع ضبعا يعض على لسانه ولعابه غزيرا على فكيه يسيل ، والأمنية أن يترك الذئاب شيئا يملأ فراغ أحشائه من تلك الطريدة…

إنتبت الأبقار الوحشية لتحركات من أهلكهم الجوع متأخرا فأخذ كل منهم إلى نجاته الحوافر على الأرض يضرب … ولا يدري ما يحدث لغيره حتى تشتت القطيع وإنفرط سربه وإرتفع الغبار وفقد الجياع طريقهم بين كل تلك الفوضى بحثا عن ذاك الهدف المفقود… 

و ذاك المنبوذ من البقر خاطب إبنة الرئيس، أخذ يشاهد ما يحدث وهو يضحك … فلم يكن بإستطاعة أي من الذئاب أن يركض بالسرعة التي تمكنه من اللحاق بذيل بقرة سمينة أو كما بدت لهم هزيلة… 

فهؤلاء أعياهم الجوع وأضعفهم… و أولائك أبطأتهم البطون و أخّرت… و حتى الضبع كان على الذئاب في شبعته معتمد…

وما أن إتضحت لذاك الهزيل الصورة… حتى صاح في القطيع مناديا بالإجتماع وإعادة تشكيل السرب… و تقديم من كان بقرونه وقت الراحة يتباهى… حتى يكون للقطيع من الذئاب مناعة… 

فكانت هزيمة الذئاب على يد الجوع وقوة الجماعة…
وعاد الضبع بما أتى به من خيبة ولم يخرج من أمله إلا بإزدياد مجاعة…

إنقضى النهار وسكن الغبار… وإحتفل القطيع بعرس إبنة قائدهم على منقذهم وجامع كلمتهم… و الكل إليه العشب الأخضر يقرب وإليه يتودد… ومنه الصفح يطلب… 

ومازالت بطون تنتفخ وأخرى جلودها على الأضلع تنكمش…


شكراً 
أكمل قراءة الموضوع...

الأربعاء، 26 أكتوبر 2016

تجربتي مع الصعاليك… يوم إهتز الإنسان بداخلي

By 10:02 م
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته 



كانت نومة عميقة جدا، إستأنست فيها مع نوم إعتدت راحته لسنوات، نوم يعرفني وأعرفه… لأفيق باكرا لأجل رحلة العودة إلى المدينة حيث بيتي و أسرتي، نبهني والدي أن لا أسلك ذاك المسار الذي كثر فيه الإجرام وقطع الطريق، ولكنني أكدت له أنني جئت من ذات الطريق وكان أمنا جدا ولا حاجة للقلق، وهو أقصر بكثير من أي طريق ملتوي تفاديا لتلك المنطقة، نستعمله في أوقات الضرورة.
إتصل بي والدي فأخبرته أنني الآن منطلق للعودة إلى طرابلس وسأكون هناك بعد قليل، ولشدة قلقه وخوفه كان يكرر الإتصال كل عشر دقائق ليطمئن.
بعيد آخر مكالمة تطمينية وفي لحظة مباغثة أغلقت سيارة الطريق أمام السيارة التي تسبقني مباشرة... وقبل أن ندرك ما حدث، سيارة أخرى سدت الطريق من خلفي...
تفحصت حولي لأتأكد ما الذي يجري... ولم أرى إلا وجوها مقفهرة في ثياب عسكرية مدنية بزي شعبي مع بنادق من الأكتاف تتدلى... 
كان السؤال الأول بعد أن أنزلت زجاج السيارة.
من أي مدنية انت؟
وما أن أجبته حتى فتح الباب ووضع يده على كتفي وهو يسحبني من السيارة بهدوء ويقول، أنتم أحبابنا وأصحابنا.
كأنني فقدت الإحساس حينها وأنا أعرف ما الذي يحدث، ولكن كان كأنه إستسلام لواقع معلوم... الحكايات في الذاكرة القريبة متراكمة عن من إختفوا فجأة ومن ثم ظهرت جثتهم على قارعة الطريق ملقاة هامدة…
تجمدت الأفكار، عندما أجلسوني في كرسي سيارتي الخلفي، وأمرت أن أغطي وجهي بثيابي، وكأنني طفل مطيع، بلا مقاومة ولا عناد فعلت.
هل سيجد أبي الإطمئان عندما يتصل الآن؟
ذكر الله أكبر... لا إله إلا الله... تداخل كل شيء بكل شيء، لم يعد هناك صورة واحدة ثابتة... أصواتهم خافتة ولم يمضي الوقت حتى أدخلت لغرفة جدرانها الصمت، والوجه مغطى...
كالتائه في صحراء الحيرة أنصت أحاول إستراق السمع لعلي أعرف أين أنا وما الذي يجري.
لم يمضي وقت حتى سمعت صوتا من خلف الباب يأمر بأن أغطي وجهي من جديد... لتتحرك السيارة مسافة بدت قريبة.
حديث متقطع، أصوات صفقة تعقد!؟ تسليم وإستلام؟ أهو أمر مدبر تدبير؟ أم هي صدفة اللهم إجعلها خير!
دُفعت إلى غرفة أخرى في مكان آخر أكثر ضجيجا، لابد أن الليل قد حل الآن، ولعل النوم زارني في فراشي الليلة ولكنه لم يجدني حيث إعتدنا اللقاء، لعله الآن عني يبحث في أماكن معروفة له... وكيف له أن يجدني في مكان أنا لا أعرفه.
على ذات الأمر إنتبهت صباحا، قبل أن يدخل صاحب الصوت بأن أغطي وجهي وكذلك مجددا فعلت...
لتتحرك السيارة من جديد لوجهة أخرى لا أنا ولا نومي نعلمها.
كيف هو أبي الآن يا ترى؟ أمي أبنائي زوجتي.
التسليم هذه المرة كان مختلفا عن المرات الأولى، فتلك كانت ترحيب بهذا الصبي المطيع، أما هذه المرة على ما يبدو كان إستقبال المشاغبين، الذين لابد لهم من تأديب وتربية، لم يتعرض وجهي يوما لصفعات كهذه، لم تستقبل بطني وأحشائي مثل هذه اللكمات من قبل... وإن كنت تصارعت مع أطفال الجيران في صغري، ولكن أن تنهال عليك الأيدي ضربا والعين معصوبة واليد مكتوفة... هذا ما لم أختبره أنا وجسدي حسا قط من قبل...
لم يسبق لخيالي في السبعة والخمسين عاما التي مضت من عمري، أن مر به، أن أيدي أجهل ملامح أصحابها في مكان لا أعرفه... من كل إتجاه لا أراه... تنال مني ما تنال في أماكن لم أتوقع يوما أن تلمسها يد بشر ...
وليت أذني صُمّت عن سماع ما تلفظت به ألسن الشياطين... لم يسلم من سبهم وشتمهم حتى الخالق سبحانه ... 
توقفت هناك النفس ... وزادت حيرتها... ما الذي يريده هؤلاء الصعاليك...
أخطر ببالي حقا أن أسميهم صعاليك حينها، أم كنت خائفا أن يسمع أحدهم أثر حديثي لنفسي!؟.
خشيت أن يحدث هذا... 
حقا خشيت... ولم ينتهي الأمر حتى عصبت عيناي وشد وثاق يدي ببعضهما وأجلست غرفة لم أرى إن كانت مضيئة أو مظلمة... 
الليلة... أتراه يجدني... أتراه كف عن البحث... أترى للقمر ضوء الآن؟… سأحاول النوم لعلي اجده ويجدني...
مددت قدمي وإنطرحت محاولا إستدعاء النوم... وها هو يأتي ... ولكن
ليس هذا النوم الذي أعرف... ليس هذا النوم الذي إعتدت... وإعتادني... هذا نوم جديد ... نوم من نوع آخر ... نوم من أثر التعب... تعب اللكمات والضرب والإهانات ... نوم الجوع والعطش... نوم ... ايجدر بي ان اقولها... نوم قضاء الحاجة حيث أنت ويداك مقيدة... نوم الهرب من أفكار كثيرة... 
طعام لم يكن بالإمكان تسميته طعام... ماء ... قليل أو لا ماء...
إعتاد الحبل على معصمي والعين معصوبة ... الوقت فقد مني الإحساس به... صباح أم مساء... كم مر يوم على وجودي معصوب العين مكتوف الأيدي؟… إن كنت أنا من وجد هناك... كمّ كبير من الأسئلة التي لم أجد لها تعريف في كل ما عرفت من كلمات…
حتى فتح الباب وعاد الإحساس بالوحشة والخوف من ركلات ولكمات وشتم وسباب إستمر دون توقف لم استطع حسابه... ليقال لي... خذ تحدث مع والدتك... وإياك أن تظهر ألما او خوفا أو فزع... أنت بخير وكل شيء على أحسن ما يرام...
أخذت السماعة بيدي وكنت أتمنى انني لم أفعل... 
سمعت الصوت وليتني لم أسمع… إهتز بداخلي ذاك الذي صغيرا ربته وبالحنان أغرقته… خوفا تمالكت نفسي... خوفا أردت أن أصرخ ... أردت أن... أبكي ... ولكنها أمي… لابد أن قلبها علي بتقطع… و عقلها يتلاطم… أنا بخير… وقطعت المكالمة قصيرة...
زاد فيها القيد على رقبتي خنقا والثقل على قلبي وزنا ولم أنجوا من بقية الحصة لأكون تسلية للشياطين...
مرت الأيام متساوية... متشابهة كثيرة الجوع والعطش... قليلة النوم... كثيرة العفونة والقذارة...
أسمع أحدهم تارة يقول... ياله من مقرف قذر... إغسلوه أو أخرجوه من هنا... 
أقول في نفسي كلاهما خير... ولكن لا أنا الذي أغسل... ولا أنا الذي أخرج… ولا أنا الذي…

وما أن يفتح الباب وتبدأ اللكمات والركلات حتى أعرف أنه موعد الحديث إلى أمي... حتى بت أتمنى أن لا أفعل ولا أتحدث معهم أبدا ... 

كم الساعة الآن؟ لا أدري ولا اليوم ولا التاريخ به أشعر... ما الذي ينوون فعله بي؟
أتراهم يقتلونني وينتهي بي الحال جثة على ناصية أحد الشوارع ملقاة لا يهتم لها إلا الذباب؟ أو في الأحراش وبين القمامة والقاذورات بي الحال ينتهي؟…
أم هم صعاليك تجارة ينتظرون إفتدائي بما طلبوا من مال؟
لن أقول أنني تمنيت الموت... لأن ما بالقلب من إيمان، يمنع ذلك ولا يقترب منه... ولكن كان الأمل بالله والرضا بما قسم الله من إبتلاء…
غاضب أنا الآن مما حدث ويحدث... غاضب من هذه العقول السمجة وتصرفاتها ... ولكن مايفيد غضبي الآن ... وأنا أعيش في زريبة لا يسكنها أحد غيري... مستقبل مجهول ... وحاضر أكثر غموضا ... 
كم إنقضى حتى الآن من العمر في هذه الغرفة؟ كم مضى على وجودي هاهنا ... كم وكم ... 
لم أرى وجها من هذه الوجوه التي تنفث الغضب والسم بأنفسا كريهة كلما تحدثت ... لم أرى أيا منهم ولم أستطع الرد على شيء... 
وكان حظي أنهم وجدوا صورا لي في رحلة الي إحدى الدول... لينهالوا علي بالضرب والسب والشتم... لماذا؟
لأنني أستمتع ببعض المال وهم لا يستمتعون بشيء... لأنني وجدت فرصة للسفر وإستطعت التقاط صور وإستمتعت في حياتي... 
كان يوما مميزا من بين تلك الأيام التي لا تنسى... كنت في نظرهم حينها... آكل لارزاقهم ظلما وعدوانا... كنت في نظرهم العدو الأول والسبب الرئيس في عيشهم حياة الفقر والبساطة... كنت أنا سبب كل ما هم فيه مما هم فيه... 
وعلى قدر ما تسببت لهم فيه... كان عقابهم لي... اليد مقيدة... والرأس بكيس مغطى... ولعلك بت تعرف الآن كيف كانت رائحة المكان الذي بقيت فيه مدة لا أعرف مداها... 
لعلك تعتقد أن ما يحدث كان مؤلما…
ألم ... كلمة لم تعد ذات معنى ... لفقرها في التعبير عن ما حسست به وإختبرته وبه مررت... 
ليلة من تلك الليالي المعدمة ... التي تصالحت فيها مع النوم الجديد... إعتاد بعضنا بعضا... وعرف مكاني ... فتح الباب دون مقدمات... لأسحب وأجر إلى الخارج ... لم أستوعب ما يحدث... أهي نهايتي، قضي علي؟ سياخذونني لمكان آخر؟ لما يخرجونني الان؟
لا أعرف أكثر من أنني وضعت في صندوق السيارة الخلفي وتحركت السيارة... 
إلى أين؟ 
هل سيجدني أحد المارة بالصدفة جثة هامدة؟ هل ...
إنقطعت التساؤلات ...
بأن أخرجت من الصندوق وأمرت أن أقف عند ناصية الطريق... 
إنتظرت رصاصة تصيب رأسي... كنت منكمشا بداخلي منحنيا في وقفتي منكسرا في نفسي... أنطق الشهادتين في إنتظار قبض الروح برصاصة...
بقيت هناك برهة... سمعت فيها صوت السيارة عني تبتعد... ماذا أفعل يا ترى... أزيل رباط عيني؟ 
أبقيه...
لم أعرف إلا ورائحة مألوفة راودتني كدت أنساها ... إنها رائحة أمي... أتت مع توقف سيارة فتح بابها وسمعت صوت أخي يقول...
إركب بسرعة إركب...
كمن يهرب من الموت إلى السيارة إندلفت بثقة فهذا صوت أخي و رائحة أمي... والرأس خافضا أبقيت... أصبحت الرائحة أقوى الآن ... يا الله إنها في الكرسي الأمامي تجلس... أخي يقود السيارة...
إنتهى الكابوس؟ إنتهى الرعب؟ أمي بخير؟ لم أتلقى في راسي رصاصة ...
كيف حدث هذا... كيف بداء وكيف وصلت إلى هنا... ما الذي حدث… كيف إنتهى.. 

عدت إلى أهلي وبيتي... وقد كلفت عودتي ما كلفت ... دفع لأولائك الصعاليك لشراء حريتي وإطلاق سراحي وإعادتي لاهلي... 
قال أبي... يهون مال الدنيا كله من أجل سلامتك يا بني... الحمد لله أنك بخير...
لا أعرف يا أبي... لا أعرف إن كنت بخير...
وَمِمَّا لا شك فيه أبدا... أن نومي الذي أعرفه ويعرفني تاه ولم يعد يجدني... ولا أدري إن كنت سألتقيه مجددا عن قريب أم لا … 


شكراً…
أكمل قراءة الموضوع...

الثلاثاء، 18 أكتوبر 2016

عندما تحدثت الأطياف...

By 2:28 م
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته 


في غرفة لم يدخلها شعاع شمس منذ مدة... بصيص نور يسرق لنفسه مدخلا من ثقب بستائر شرفتها.. يسقط على خدِ جسد على الفراش طريح، متلاحقة أنفاسه من نهايتها تقترب والقلب خافت النبض جريح... تتقلب العين تبحث في سقف الغرفة عن أفق.. واليد ممدودة بلا حركة تُحنّيها التجاعيد بشكل صريح، لا صوت في الغرفة غير صوت ذبابة عند الزجاج عالقة تبحث لنفسها عن مخرج لتهرب من هنا وتستريح.



إذا بأطياف أفكار وقدرات ومواهب تتسرب إلى الغرفة وحول السرير تجتمع، تقف تنظر إليه تتأمله، تراقبه.. وأعينهم بالملامة والتساؤل مليئة، وبالغضب مشتعلة.. لماذا؟ لماذا احتجزتنا ولم تطلقنا؟ لماذا حبستنا في عقلك ولم تسرحنا؟ لماذا منعت عنا الحياة؟ لما فعلت ذلك بنفسك؟

نظر الجميع لبعضهم والحزن يملأ أعينهم...
تقدم طيف كثيف من رأسه وانحنى عند أذنه كي يسمعه جيدا وقال: أتذكرني؟ أنا فكرتك المميزة التي كان الأجدر بك أن تكتبني كتابا، أو تنشرني مقالا أو تدوينة ليقرأني ويستنير بي ولو إنسان واحد، ولكنك خجلت وتكاسلت واستهزأت بنفسك وقللت من شأنها ولم تمنحني الحياة لأخدم هدفا.


أبقيتني في فكرك أتقلب حسرة حتى أصابتني القروح، وها أنت على فراش الموت ولن أطمع في الولادة منك بعد الآن وكلي جروح.


نظر الطيف إلى طيف إحدى قدراته العلمية وأومأ إليه، فاقترب وتعابير وجهه بالامتعاض مليئة، ولم يرغب في الحديث، ولكن البقية شجعوه ودعوه أن لا يكتم قولا.


فقال بتردد غاضب، منذ زمن ما عدت أنتظر منك شيئا، فقدت الأمل بعد كل التجارب التي مررت بها معك، كنت تستطيع فعل الكثير بي، كنت تستطيع الاستمرار في دراستك وتحصيل علوم أدق، كنت تستطيع تحسين حياة ذاك الطفل عندما احتاجك، كنت تستطيع تغيير حياة ذاك الشاب أيضا، ولم يتطلب منك الأمر كثير عناء، كنت أعرف أنك بي تستطيع تحقيق ما يحتاج، كان بإمكانك فعل الكثير ولكنك ركنتني وحبستني وأهملتني واثاقلت إلى الأرض، أهدرتني ومعك سأذهب هباء كما أنت.


ربّت طيف صوته على كتفها ليقطع أنين البكاء، وأخذ مكانها قائلا: كنت وسيلتك لإيصال كل هذه الأفكار، ولكنك أسكتني، في حنجرتك وبين شفتيك حبستني، كنت لك صوتا مدويا إذا ما استعملتني، ولكنك كنت كل مرة تخجل وتبلع لسانك وتطبق شفتيك وتتركني في الظلمة أصرخ بلا حيلة، كنت موقنا أنني أستطيع أن أعبر وأخبر وأبيّن للناس كل ما حملت من أفكار مميزة لم يحملها غيرك.


نظر إلى طيف فكرة كانت في أقصى الغرفة منزوية والدمع يشق أخاديد على خديها. كنت أستطيع إخراجك للعالم، إن سمح لنا، ولكنك تعرفين جيدا أنه لم يفعل، رغم كل مراودتك له وإصرارك عليه. أسكتني ولم أجد شفاهه بي تتحرك، وماذا بعد الآن؟ عشت في صمت مطبق وكل ما أردت الجهر به سيدفن معك.. إلى الأبد؟ يا لها من حياة أرخصتها.


اقترب طيف حلم من أحلامه الذي كان يراوده أعواما طويلة، مسح على جبهته بعض العرق المتصبب منه وقال: كنت أتمنى أنك بذلت جهدا أكبر في ملاحقتي، كنت أحتاج فقط إلى بعض المجهود لأتحقق، كنت أنجزتني وأصبحت عندها واقعا ملموسا وليس فقط حلما خافتا سيرحل الآن معك كما جاء. ليتك سعيت وجاهدت واستمررت في المحاولة ولم تستسلم وتتهاون وتخضع لكل أولئك المحبطين المشككين فيك وفينا.. لكنت الآن أجوب العقول وأغير حياة الكثيرين. ليتك حققتني، ليتك لاحقتني، ليتك بذلت جهدا أكثر.. ولكن لا فائدة الآن، فها أنت تحتضر وستسلم الروح لننتهي نحن وكل الفرص التي ضيعتها لتترك أثرا في هذه الحياة.. تنتهي أيضا.


نظرت لكل الحاضرين وهي تقول: ظلمتنا معك.. نعم ظلمتنا معك، حتى بسمتك كانت معنا مظلومة.


ماذا بعد؟

ها نحن نجلس حولك وما بالأيدي حيلة، مُنحت الكثير وامتلكت الكثير من القدرات والأفكار والمواهب، ولكنك لم تستغل وجودها، لم تستغل وجودنا والتهيت في توافه الأمور، ونحن ننتظر أن تنتبه لنا وتمنحنا الحياة... أينفعنا الحزن والندم الآن؟


وقف طيف الشجاعة الذي كان يقف عند الباب، تقدم من الفراش وقال وهو يكظم غيظه: يعرف الجميع كم كنت راغبا في أن أكون سببا في خدمتكم، راغبا في أن أنطق وأصرخ وأتحدى كل ما واجهك، أردت أن أرد على أولئك التلاميذ الذين ضايقوك في المدرسة، أردتك أن تتوقف عن الخوف من الكلاب، أن تخبر والدتك أنك لست من كسر التحفة، أن تخبر والدك أنك أنت من أفسد هاتفه، أردت أن أتعاون مع فكرتك وتقديم مشروعك وإنجاحه، كنت أريد أن أقول الحقيقة بحق ذلك الأستاذ الخبيث، أردت أن أتصرف في مواقف كثيرة، ولكنك لم تعطني الفرصة بهربك واختفائك السريع كل مرة، لأجدني عاجزا عن التصرف، مدفونا بداخلك في صمت، وليتك لم تك تلقي باللوم على الآخرين على ما تفعله أنت، ليتك منحتني الإذن لأعترف بذلك.


رغم كل ما امتلكت، فإنك منعتنا من الحياة، ولم نسمع صوتك ولم نقرأ لك الكتاب الذي راودتك فكرته وأردنا أن تنشره ولكنه بقي مدفونا فيك ولم تكتبه، كغيره من الأفكار.

امتلكتنا في حياتك وكنا رهن إشارتك، ولكنك خفت النجاح، خشيت المواجهة، أرعبك الفشل، كنا لك وحدك، كنا بين يديك، ولكنك لم تفعل بنا شيئا، ولم يكن لأحد غيرك أن يمنحنا الحياة ولم تفعل، بل اخترت عيش حياة راكدة محطمة، كل ما فعلته فيها هو الأكل والشرب والاستهلاك والنوم.. عشت تابعا للآخرين سلعة لهم، وها هي النهاية، فهل رضيت الآن بما حققت في حياتك؟ هل اكتفيت من الخضوع والتردد والتبعية؟


لم تتمالك شجاعته نفسها وانهارت على الأرض باكية، لم يعد لديها ما تقول. عينه إلى السقف مشدودة تنظر في لا شيء هناك بأفق السقف محدودة.. وقفت الأطياف أفكارا وخواطر وقدرات ومواهب وصوتا.. نظر كل إلى الآخر نظرة أخيرة، نطق فيها الصوت قائلا: ليتك أحييتنا عندما كان بإمكانك ذلك، ليتك أطلقتنا ولم تسلمنا لألم الحسرة والانتظار.

شكراً...
أكمل قراءة الموضوع...

الثلاثاء، 11 أكتوبر 2016

العمق في التفكير...

By 8:47 م
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته 



رفع يده عاليا وهو يسكب الشاي في ذاك الكوب الزجاجي الصغير، حتى تناثرت قطراته وتصاعدت من الكوب رغوة كزبد البحر أبيض،  إرتفعت الفقاعات مشيرة إلى أنه كوب شاي بطعم  عتيق…


  • قال أوسطهم ألم أقل لكم أنه مخطط مدروس وأن النتائج باتت واضحة؟
  • فقال الثاني أنت تهذي، و هذيانك أوقعك في تحليلات خاطئة لا تمت للواقع بصلة فقد غاب عنك أن جماعة الحفرة الزرقاء يعملون ليل نهار على تعميق حفرتهم و يمارسون عملهم بإجتهاد وأنت الآن صورتهم وكأنهم عملاء متوقفين عن العمل ينتظرون ...
رد أوسطهم مباغثا له في الكلمات... 
  • أنت ترى أنهم يفعلون ذلك وأنا أقول لك أنه مخطط، هم أرادوا أن تفكر و تصل إلى هذه النتيجة لأنهم يسعون للسيطرة على عقلك وإيهامك أنهم يعملون من أجل التعميق ولكن الحقيقة أنهم يحفرون لك و لنا جميعا فخا سنسقط فيه جميعا إن لم نفق  وننتبه لهذا المخطط
  • قاطعه الثاني وقال أنت من سلم عقلك وإستسلم و لم يعد يفكر ولا يعرف كيف يفرق بين الواقع و الخيال، و عيشت نفسك في وهم ركبت عليه وبنيت عليه جملة من الأوهام التي ضيعت منك خارطة الواقع و جعلتك هدفا سهلا لكل من يرفع شعارات براقة.
  • سترى قريبا و يتضح لك أن جماعة القبعات هم من يدافع عنك و عن الجميع، وإن كنت أنت ترى أنهم يسعون فقط للحصول على منافع شخصية و مصالح تعادي كل فائدة ستعود على الجميع دون إستثناء، فأنت حقا لا تفقه شيئا ولا تدري في أي أرض تعيش… 
  • أتذكر تلك الحادثة التي راح ضحيتها عشرات الشباب؟ 
  • أي الحوادث فهي كثيرة جدا، حدد
  • فعلا هي كثيرة، ولكن تلك الحادثة التي هجم فيها أصحاب القبعات على جماعة الحفرة الزرقاء…
  • قاطعه مباشرة…
  • ذاك كان خطأهم أنهم إعتدوا على منطقة غير منطقتهم…
  • ولكنهم لم يبدأو الهجوم بل كانوا يبحثون على بعض المجرمين، و يسعون للقبض عليهم وساقتهم الآثار إلى تلك المناطق…
  • وإن يكن، كان لابد أن يتم التنسيق لأجل ذلك… أنت تتعامى عن أفعالهم ولا تريد الإعتراف بأنهم مهزومين مخادعين، يسعون فقط للتسلط و التحكم في الآخرين دون إعارة أي إهتمام للناس ومصالحهم وحتى أرواحهم…
  • إحترم نفسك ولا تسيء الحديث، فهم سبب قدرتك على الحديث منذ البداية، ولولا الله و جهدهم و ما بذلوه لكنت الآن تصفق كما إعتدت أن تصفق ويبدو أنك مازلت تصفق و على إستعداد للتصفيق لأي من يقول أنه سيعطيك ما تريد…
  • لقد تجاوزت حدودك ولا يمكنني السكوت على ما تقول أكثر من ذلك… تتهمني بالنفاق؟
  • أنت من تضع نفسك في هذه المواقف بتصرفاتك 
إلتفت أوسطهم إلى الثالث و قال : 
لما لا تشاركنا الحوار و تحكم بيننا؟ أم أنك لا يهمك شأن البلاد و ما آل إليه حال العباد؟ 


فتنحنح الثالث في جلسته و وضع يده على ذقنه وأخذ يفرك لحيته... وبدا عليه الإهتمام والعمق في التفكير والتعمق في التدبير وقال...

منذ البداية وأنا أفكر وأحاول أن أجد حلا لهذا السر العجيب…
رد الإثنان معا متسائلين… و هل وجدت الحل؟
فقال بهدوء أزعج الإثنين معا… 

الحقيقة لا… فلم أفهم بعد أين تذهب فقاعات الشاي بعد أن تتصاعد في الكوب و تبقى قليلا ثم تختفي… أين تختفي لا أدري… لم أجد الحل بعد...


شكراً
أكمل قراءة الموضوع...

الأحد، 9 أكتوبر 2016

أغنى رجل في العالم...

By 7:28 م
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته 




- تعال إسمع هذا الخبر من مجلة فوربس … أتدري كم هي ثروة بيل جيتس لهذا العام؟ 
- لا أعرف من هو بيل جيتس ولا شأن لي به.
- أحمق أنت؟ هذا أغنى رجل في العالم الست تستعمل الكمبيوتر و نظام التشغيل الوندوز؟
- لا أنا أستعمل جهاز آبل 
- إذا تعرف ستيف جوبز؟ هذا الرجل معجزة حقيقية وهو من أوائل مؤسسي الحواسيب الشخصية 
- لا حقيقة لا أعرف ولكن أسمع عنه أنه من مؤسسي شركة أبل 
- أنت تبالغ ، لا يهم إسمع هذا الخبر 
- بلغت ثروة الملياردير الأمريكي بيل جيتس الثمانية و سبعين مليار دولار ليصنف كأغنى رجل في العالم و يليه الملياردير الأمريكي أيضا وارن بافت و تقدر ثورته بـ…
- وماذا بعد أن عرفت أن أغنى رجل في العالم يملك قدرا من المال لا يمكنه إنفاقه؟ 

نظر إليه مشدوها وهو يحاول إكمال الخبر ولكنه عدل عن ذلك، أزاح هاتفه جانبا و أخذ رشفة من كوب القهوة و إستأذن منصرفا… وهو يهز رأسه مستغربا من عدم إكتراث صديقه بما يحدث في العالم … 

وقف في محطة الحافلات منتظرا… أخذ يقلب هاتفه من صورة لصورة حتى وجد نفسه واقف في الحافلة مضغوطا بين الواقفين… ولم يكد يخرج منها دافعا بأخر ما تبقى في جيبه من نقود… حتى إستنشق نفسا عميقا أزاح عنه روع ما إحتمله من روائح داخل الحافلة المضغوطة بالبشرة في هذا الحر الشديد…

دخل البيت متجها نحو المطبخ مقلبا الأواني الفارغة متفحصا الثلاجة الخاوية، يتمتم بكلمات إحتجاج على فشل محاولته الحصول على شيء يسد هوة تُشعره بألم الجوع…

سألته والدته عن ما إذا كان قد وجد عملا يجني منه ما سيملأ الثلاجة و يحمي الأواني؟ 

هز كتفيه وأشاح بوجهه مختفيا في غرفته مستلقيا على فراشه… أخرج هاتفه، وأخذ يقلب الصفحات بحثا عن أخبار أغنياء و أثرياء العالم… 

شكراً...




أكمل قراءة الموضوع...

الثلاثاء، 27 سبتمبر 2016

أولئك قوم عنصريين

By 8:39 م
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته



وضع ساق على ساق، وإستراح في جلسته على كرسي في زاوية بقمهى بوسط المدينة على الشاطئ يطل.

يحتسي شرابا ساخنا له تسمية عن هذه البيئة غريبة، يحادث صديقه عن تجربته التي لم يكن فيها ما يبهج النفس ولا يريح الخاطر، تجربة سفر إلى بلاد هناك في الشمال بعيدة، تلك البلاد، ليست إلا في وسط البحر، جزيرة... 
بلاد منها إنطلقت جيوش غفيرة ... لتحتل من العالم أطراف مترامية وإعتبرته لها ثروة مشتركة…
تجربة مليئة بالذل و قلة الحيلة و كثرة السؤال وقلة المال، كما وصفها…

فصّل و أبحر في وصف إمتعاضه وحنقه و بغضه لتلك البلاد وأهلها ومعاملتهم... فلم يكن لونه كلونهم و دينه كدينهم، وحتى طبعه في الحركة والكلام و وصفات الطعام كان مختلفا... 

كيف أن موظف الإجراءات متعمدا عطّل إجراءاته و أخّر أوراقه و طالب بتدقيق وفحص أكثر مما يطلبه من بني قومه… وهو مُذعِن لا حيلة له ولا إختيار…
تحسّر على ساعة دفع فيها للتذكرة ثمنا، وكله حماس لينتقل بأسرته لتلك البلاد… ظنا منه أنه سيجد حياة أفضل، وإعترف بحمقه عندما كان يمنّى نفسه بعيشة في هذه البلاد هنية، وحياة هادئة مريحة بالخير سخية...

كان قد كره باب بيته ولم يعد يطيق جاره ويكثر التهرب من حواره، لكثرة تردده و إصراره، كره سيارته ومدينته والطرقات، والعمل و المهمات، وكثرة الأوراق والطلبات، مع ضعف وإنعدام في الخدمات… 

قال خالد… أن الناس هناك ينظرون إليك نظرة دونية، ويتوقعون منك تصرفات غبية، ويمطّون شفاههم كلما رأوْا أسرة عربية… و حشد الأطفال، و الزوجة المحجبة تجر عربة محملة بالأثقال، والوجه عابس طوال النهار… لتسمع التأفف و أوصاف التخلف ودعوات العودة من حيث أتيت أيها المتحجرف المتخلف.

رد صديقه بشير الذي كان على الكرسي المقابل له يجلس، قائلا… 
أعرف جيدا ما تقول يا خالد، تلك شعوب عنصرية لا تتقبل الآخر كما هو، ولا تنظر إلى القلوب… 
عنصرية؟ رد خالد بحماس و شيء من العصبية…
العنصرية وصف لا يعطيهم حقهم في التعريف، هذا أكثر من عنصرية هذا جهل وعصبية وجاهلية وتعصب، تصور…أنك إذا دخلت متجراً من تلك المتاجر الصغيرة التي تجدها في ناصية الشارع... ستشعر وكأنك لص خبيث، ونظرات الجميع نحوك بالشرطة تستغيث... يلتفتون يدققون في كل حركاتك وربما يتظاهر العامل بترتيب الأرفف حيث إتجهت...
مراقبة لعدم الثقة و كثرة الشك و الريبة... يظنون أنك ما لم تحمل دما كدمهم... وبما أنك تدين بدين يَرَوْن فقط أنه يحرض على القتل والزواج من القاصرات وضرب النساء... فأنت لست إلا شبهة في أرضهم تستغل مقدرات بلادهم وتقبض الثمن من أموالهم... ألا يعلمون أننا نعمل بجهدنا ونكد ونجتهد ونتقاضى أجرا نستحقه؟ بل وندفع الضرائب أيضا!
وكلما عملت في عمل… تجد منهم نظرات تشعرك بأنك خطفت منهم شيئا ثمينا، وكان يجب أن يحصل على هذا العمل شخص منهم، و ليس غريبا على هذا البلد مثلك… غير أنهم في أحيان كثيرة، لا يملكون الجرأة لقول ذلك خوفا من القانون الذي يعاقب بشدة على كل تصرف عنصري يثبت حدوثه.

رد بشير وهو يقبض على يديه حنقا و تحسرا على ما آل إليه حالهم وقلة حيلتهم… وهوانهم على الأمم… قائلا… 

وعندما يأتوا إلينا، نرفع بهم الأرض ونركض خلفهم كمن رآى كنزا سقط من السماء... نحن أناس طيبون جدا ولسنا خبثاء مثلهم ولا عنصرية لدينا، أما هم فالعنصرية تجري في دمائهم ولا دين لهم يعلمهم أنه لا فرق بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى...
إنك تحلم يا صديقي… تحلم، ردد خالد وأردف قائملا… 
هم لا دين لهم يعلمهم أن الإنسان مهما كان، فهو إنسان مكرم من عند الله، مهما كان لونه ومهما كان أصله وبلده ولغته وشكله وهيأته ... هو إنسان يجب معاملته كإنسان، خاصة وأنك تصدّع رؤوسنا بقضايا حقوق الإنسان والسعي خلف إحقاقها وتحقيقها ليل نهار... ولكن بالتجربة التي مررت بها معهم؟!، لم أرى تعصبا عنصريا كالذي رأيته فيهم، ولم أشعر بالهوان في حياتي كما شعرت به عندهم.
- أهذا ما دفعك للعودة؟ قال بشير…
- لم يكن ممكنا أن أستمر و أعيش في هذا الذل وأقضي وقتي اجمع نظرات الإحتقار من الجميع...
- خير ما فعلت أن عدت إلى بلدك حيث ناسك وأهلك…
تنحنح خالد في مكانه و قال 
لنطلب الحساب ونغادر أريد أن أستنشق بعض الهواء النقي بعد هذا الحديث الذي إغتمت له نفسي و بالذي جرى هناك ذكّرني…
رفع يده ليشير إلى النادل بطلب الحساب… وإلتفت إلى بشير متسائلا بإبتسامة مشاكسة… 
- أنقول مبروك؟ 
- على ماذا تبارك؟
- هيا دعك من هذه الحيل… لم تخبرني عن تطورات خطوبتك إلى أين وصلت؟ أنقول مبروك أم ماذا؟
هز كتفه وهو يرتشف آخر رشفة من فنجان القهوة وألقى بنفسه على الكرسي وقال…
- لا ليس هناك مبروك ولن يكون هناك عرس ولا زواج أساسا…
- لا يا رجل، ماذا تقول لماذا؟ ما الذي حدث؟ غيرت رأيك؟ كيف تغير رأيك وأنت المتيم العاشق!
- لم يوافق أبوها، ولم يرضى حتى أن يستقبلنا عندما أردنا زيارته للحديث عن الخطبة…
- ولما؟ ما السبب؟ أنت شاب محترم و خلوق، و تكسب رزقك بالحلال و لن يرفضك أحد…
- أبوها لا يريد أن يزوج إبنته إلا لمن هو من قبيلتهم، وأنه لا يريد تزويجها من منطقتنا، رغم أننا جيران، وأنه يريدها أن تبقى قريبة منه حيث يعيش هو…
- أحقا ما تقول؟
- نعم هذا ما حدث… حتى أن كل محاولات التدخل و الوساطة لم تنجح معه.
- أحمق هذا الرجل، ومن يظن نفسه؟ هو من تلك القبيلة الوضيعة أساسا، وكيف يتجرأ بالحكم علينا بهذه الطريقة السمجة؟ ألا يدري من تكون ومن هم أهلك ومن هي قبيلتك، وما أصلك؟  ألا يعرفنا؟
إذا بالنادل يأتى بالحساب و ويضعه بين أيديهم، لينتفضا و ينظرا إليه نظرة إستغراب و إمتعاض… ليبادر خالد بعصبية وثوران موجها حديثه للنادل قائلا…
لما لم تستأذن عند إقترابك؟ أم أنك تريد أن تسترق السمع لما نقول؟ يجب أن تحترم الزبائن وتحترم خصوصياتهم، و يجب أن تتعلم كيف تعيش في هذه البلاد وإلا فعد من حيث أتيت لا مكان لك هنا بيننا، عد وعش بين أهلك و ناسك… يا لكم من قوم مزعجون، تأتون إلى بلادنا تأكلون خيرنا و ترسلوه لبلادكم ومن ثم تسبونا و تشتمونا ونحن نطعمكم و نأويكم و نحسن إليكم… يا لك من مخلوق وقح… أغرب عن وجهي الآن…



شكراً
أكمل قراءة الموضوع...

الخميس، 22 سبتمبر 2016

أطلب و تمنى يا سيدي...

By 8:20 م
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته 



على شاطئ البحر، لأقدامي على الرمال أطبع أثارا في محاولة للهرب من ضجيج المدينة وفوضى الأنانية وما يطلبه الحاضر من إنتباه مبالغ لكل ما حولك، والتفكير في كل ما لك وليس لك فيه شأن، أخذتني قدماي حتى إبتعدت كثيرا عن حيث ركنت سيارتي، رأيت صخرة، قلت في نفسي أنني سأجلس هناك وأستريح لأبدأ طريق العودة الذي لبعده بدت معه سيارتي صغيرة جدا، الشمس هناك عند نهاية الأفق كالبرتقالة الصافية التي ستغطس نفسها في سائل محلى، وتذوب فيه… كانت على وشك ملامسته عندما وصلت إلى حيث الصخرة وجلست…
مع تصفيق الموج ومداعبته لتجاويف الصخور وما إستقر في ذهني من صفاء و سكينة لهذا المنظر و الحال الذي وضعت نفسي فيه… لفتني إنعكاس شيء بين الصخور في التربة منغمس… لشدة إنسجامي مع ما أنا فيه لم أعره أي إهتمام… ولكن بعد تكرار لفت البريق لإنتباهي أكثر، ركزت النظر فيه لأرى ماهو… لعلها علبة عصير أو بقايا قصدير ملقاة تلقفتها الصخرة وإحتجزتها لتعطيها الشمس إنعكاس لامع نبهني له…قلت في نفس.
 ولكن اللون لم يكن فضيا ولا نحاسيا بل كان ذهبيا مائلا الى الصفرة وبعض النقوش عليه… 
لم يكن من الممكن أن أمد يدي لأمسكه، فنزعت حذائي وشمرت عن بنطالي ونزلت إلى الماء الذي كان باردا منعشا إكتملت به الإحساس في ذاك الشاطئ الجميل واللحظة الشاعرية، ولكن لم يكن هناك وقت للإستمتاع بذلك الآن… لأن ما يلمع بين الصخرات كان يزداد لمعانا و به شيء يناديني، يطلبني بإصرار لآخذه ومن هناك أخرجه… 
ما أن مددت يدي حتى أحسست بجسم معدني أكبر مما كنت أراه… سحبته بصعوبة وإستطعت من بين الصخرة و الرمال تخليصه… 
بين يدي أمسكت مصباحا زيتيا قديما إعتلاه بعض الصدأ، ولكن نقوشه و تفاصيله ماتزال واضحة فيها الكثير من العراقة والقدم… 
نظرت حولي لأري إن كان هناك من يراقب، في نفسي قلت ماذا يكون يا ترى؟ تحفة أثرية؟ مصباح سحري؟
ضحكت من سذاجة تفكيري ونحن نعيش في هذا الزمن… و ربما لم يكن ينقصنا إلا أن نحصل حقا على مصباح سحري، لعله ينهي مشاكلنا كلها، في أمنية واحدة… 
قلّبته بين يدي و حاولت تجفيفه… وأنا أنظر إلى ما تبقى من البرتقالة في حافة الأفق، لتختفي عن ناظري في الحوض الكبير… فعدت أدراجي إلى سيارتي و المصباح بيدي أمسكه كمن يمسك حذائه المبتل بلا إهتمام… 
جلست في السيارة أحاول ايجاد شيء أجففه به… وما أن بدأت في تنظيفه و مسحه مما علق به حتى إرتج بين يدي رجة قوية… ظننتها بسبب حركة يدي… ولكن الرجة التي تلتها أتى معها صوت دفعني إلى أن ألقيه من يدي وأخرج راكضا من السيارة… وأنا أسمع صوتا يصيح… 
يا أحمق ماذا تفعل لقد أوجعتني…
يا إلهي ما هذا؟ أهو حقا مصباح سحري؟ أم أنني أحلم؟
جلت بنظري لأرى من حولي من الناس وما يفعلون وهل إنتبه لي أحدهم أم لا… إطمأن قلبي أنه لا أحد يراني، كل شيء يبدو حقيقيا ولست في حلم…
أخذته بين يدي لأتفحصه… إذا بالصوت يقول…
أحمق أنت؟ ألم ترى مصباحا سحريا من قبل؟
إرتعدت في مكاني ونظرت حولي لأتأكد مجددا أنني لا أحلم، وإذا به يكمل 
- يبدو حقا أنك أحمق و يبدو أن حظي سيء هذه المرة أيضا…
- لست أحمقا قلت له بحزم
- ولكنك تتصرف كالأحمق الذي لم يسبق له رؤية مصباح سحري من قبل
- وهل تعتقد أنه من الطبيعي أن تصادف شيئا كهذا كل يوم؟ لحظة! أتقصد أنك مارد تعيش في مصباح ويمكنك تلبية و تحقيق أمنياتي؟
- يا ويلي… أهذا كل ما يفكر فيه البشر؟ حقا إنكم حمقى ولا تحسنون صنع شيء في حياتكم، أهلككم الكسل وكثرة الطمع…
- قلي هل هذا صحيح؟
- نعم وأمري إلى الله… نعم يمكنني تلبية ثلاث طلبات. 
- حسنا إذا لدي طلب واحد مهم جدا…
- أطلب و تمنى يا سيدي … آه سئمت من تكرار هذه الجملة السخيفة… قال المارد بصوت خافت
فأسرعت بالقول قبل أن يغير رأيه، أريد أن يعود الأمن والإستقرار والسلام إلى بلدي وكل البلاد العربية ويهنأ الشعب و يختفي السلاح ويرجع الإستقرار و يحب الناس بعضهم و تبنى بلدي لتكون أجمل بلاد العالم…
- لحظة، لحظة يا سيدي… تجاوزت بذلك الثلاث أمنيات، رجاء حدد أولوياتك قبل كل شيء.
- حسنا، أريد أن يعم الأمن والسلام بلادي وكل البلاد العربية والمسلمة وتنتهي الحروب
فجأة إختفى المارد وبقي مكانه بخار كثيف تلاشى في لحظات… فأخذت أدور حول نفسي محاولا تحليل ما حدث، وهل كنت أحلم أم حقا كان هناك مارد ودار حوار بيننا… ولكن أين إختفى؟
لم أكمل حديثي لنفسي حتى عاد طافيا أمامي في الهواء وهو يمدني بورقة ويقول… 
هذه مجموعة أشياء عليكم فعلها حتى أستطيع تحقيق ما طلبت.
بإستغراب و ذهول مددت يدي لآخذ الورقة غير مصدق لما يحدث

وإذا بها قائمة بالمعاملات التي يجب أن تنتشر بين الناس… فقلت له ما هذا؟ 
قال بهدوء عاقدا يديه أمام صدره…
هذا ما رأيت… يجب أن يحب أحدكم لأخيه ما يحب لنفسه، كما أنه يجب أن يحسن الجار معاملة جاره، وكل من إغتصب حقا عليه أن يرده إلى صاحبه ويعتذر منه و إن إحتاج الأمر يقتص منه أو يسامحه، ولابد أن تصفى النفوس وتبتعدوا عن البغض لبعضكم و تتوقفوا عن السعي للتسلط على الآخرين والإنقاص من قدرهم و قيمتهم، و تكفوا عن التصرفات العنصرية التي تتعاملوا بها بينكم و بين بعض، و تتوقفوا عن أكل مال بعضكم بعضا بالباطل، و تهتموا بدينكم و عقولكم وتتركوا اللهث خلف المال والنساء وتكثروا من العمل والعلم… و تتوقفوا عن السفاهات و تقليد الآخرين في كل سخافة يقومون بها، وتفهموا أنفسكم أكثر… و… 

لحظة لحظة توقف… قلت له مقاطعا
لابد أنك تهزأ بي… إن إستطعنا فعل هذا فما حاجتنا بك و بتحقيق أمنياتك لنا؟ وهذا كثير يصعب تحقيقه، أنا أعترض على هذه الطلبات، وأطالبك بتحقيق أمنيتي.
هذا كثير؟ إنه من أساسيات حياتكم و تقول كثير؟ كيف بي أنا الذي تظن أني أستطيع فعل كل ذلك فجأة و تريدني أن أغير ما في أنفسكم؟ أحمق أنت؟ فالله سبحانه و تعالى وعدكم بأن يغير أحوالكم إن غيرتم أنتم ما بأنفسكم وأحببتم الخير لبعضكم البعض، كيف لي أن أزرع الحب في قلوب أراد أصحابها أن تكون صحراء قاحلة، من المحنّة خالية، بالحقد مليئة!؟، تقتلها الأنانية وحب الذات والتكبر، معجبة بنفسها تستحقر غيرها، تهيم على وجهها تبحث عن الشهوات؟ 
أنت أحمق إن كنت تظن أنني قادر على فعل شيء لن يتحقق إلا بعملكم أنتم وبمبادرتكم وإجتماعكم أنتم… أنت تحلم إن كنت تظن أنه سيعم السلام و الأمن وتزدهر بلادكم من دون إجتهاد منكم ولا عمل بوعي وإخلاص وبعد عن الأنانية وسحق للإنسانية… 
أنت لا تحتاجني لتحقيق ما تتمنى، أنت تحتاج الصدق والإخلاص في العمل والإجتماع على كلمة سواء لأجل تحقيق ما أردت ويريد الجميع، إن كانوا صادقين.

أما إن كنت تريد بعض الكعك و البقلاوة فأنا حاضر أحضرها لك الآن حالا من أي محل تحب…



شكراً
أكمل قراءة الموضوع...

الأربعاء، 17 أغسطس 2016

لحظة في المستقبل… ستعود بك إلى الآن لترى ما فعلت فيه

By 8:38 م
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته 


في يوم ما ، في ساعة ما في مكان ما … ستحين ساعتك (أطال الله في عمرك في طاعته وبارك لك فيه) و عندها سيصبح بصرك حديد وترى الحقيقة بوضوح، و ترى أشياء ما كنت تراها، و ربما يختفي عن نظرك كل ما كنت تراه، كما لوأنك أفقت من حلم، و الدنيا هي الحلم وأنت الآن في واقع الحقيقة… يمتد بصرك لترى ملائكة مصطفين عن اليمين و الشمال… ورؤيتهم قد تعطيك بشارة عن إلى أين المصير… أبيض هم أم سود… ما بين أيديهم مما سيحملونك فيه… رحمة هو أم عذاب… وإذا بك تسمع ملك الموت الواقف عند رأسك يقول… يا أيتها النفس المطمئنة إرجعي إلى ربك راضية مرضية… (لا نريد أن نتصور أن يقال لنا غير ذلك بإذن الله فظننا بالله حسن) 

مازلت معي؟ 

نعم تصور هذا الموقف يحدث لك في يوم ما، في ساعة ما، في مكان ما… وهو في المستقبل بما أنك تقرأ هذا الآن…
الآن… في ذاك الموقف… في تلك اللحظات… حاول أن تنظر خلفك… وأن تركز جيدا فيما تركت… فيما فعلت و عملت و قدمت لنفسك من عمل… 
هل مازلت معي في تصورك؟ والملائكة مصطفين أمامك و الأمر بخروج روحك صدر؟
عندما تكون في ذاك الموقف… فإنك تنظر إلى نفسك اليوم… على ما عليه أنت الآن و أنت تقرأ هذه الكلمات… فعندها اليوم سيكون هو الماضي و ستأتي تلك اللحظة التي نتصور أنا وانت في المستقبل… لننظر إلى اليوم و تسأل نفسك… ماذا قدمت؟
ماذا فعلت؟ حقا ماذا قدمت لله و دين الله و دعوة نبيه؟
أمازلت معي في ذاك الموقف الذي نتصور؟
عندما يصبح البصر حديد و نفيق من حلم الدنيا… لن يفيدنا ولا يهمنا مال، ولا عيال… ولا جاه ولا جمال ولن ينفعنا أو يفيدنا ما سيقول الناس أو ما يعجبهم أو لا يعجبهم… ولن يبقى في وجهك دم حتى يحمر خجلا أو يستشيط غضبا… لن تستطيع التفاعل مع من هم حولك… لأنها لحظة الحقيقة التي أفقت فيها من حلم الدنيا…

أمازلت معي؟ 

تصور أنك تنظر مد بصرك و ترى ما ستُحمل فيه روحك …

تصور ما كان لديك من برامج كنت تنوي القيام بها غدا ، غدا الذي لن يأتي بعد هذا الموقف … إلا على من تركت خلفك … أما أنت … الله وحده يعلم ما سيكون عليه حالك… “نسأل الله أن يكون خيرا مما كنا فيه في الدنيا” 

تصور معي وارسم الصورة في ذهنك…

بالأمس “ الذي هو اليوم بالنسبة لك الآن “ كنت تكره، كنت تحب، كنت تستطعم، كنت تتشاجر و ربما تغضب … مجددا تذكر أن الأمس بالنسبة للموقف الذي نتصوره هو في الحقيقة اليوم، لأننا اليوم على قيد الحياة نعيش الحلم … يومك هذا الذي تعيشه، هو الحلم … 

الآن قلي…

عندما تكون في ذاك الموقف… ما الأشياء التي ترغب في تذكرها يا ترى؟

ألست ترغب في تذكر كل خير فعلته في الدنيا و أنك أعطيتها قيمتها الحقيقية ولم تبالغ فيها ولم تظلم أحدا أو تخاصم أحدا أو تأكل مال حرام؟

ألست ترغب في أنك قدمت لدين الله أكثر؟ 
أن تبلّغ عن النبي ولو آية؟ ألن ترغب في أنك إستزدت أكثر من كل عمل فيه خير؟ وإبتعدت عن كل شيء ألهاك عن هذه اللحظة التي تسمع فيها … يا أيتها النفس؟ 

إن كنت ترغب في أن ترى الخير و تذكر الخير في ذاك الموقف … فالآن هو الوقت الذي عليك أن تستغله لفعل كل ما ترغب في تذكره حينها …
أنت ملكك الآن و بيدك فعل ما تريد … فلا تنتظر حتى آخر لحظة حيث لن يكون هناك وقت لفعل شيء… و ادع الله دائما أن يوفقك لفعل ما يرضيه… 

و قد ينفع أن نتذكر أن الله لن يحاسبنا كما تبحاسبنا المعلمة على ما طلبت منا من واجبات منزلية… أنها إن لم تجده مكتملا سنقف للعقاب… ولكن الله يعلم نوايانا و يعلم ما نريد حقا و صدق رغباتنا… ولذلك على الأقل حدث نفسك بكل خير تنوي فعله في هذه الدنيا و إبذل جهدك أن يستمر حديثك لنفسك فيه و تأكد أن ذلك سيتحول إلى عمل بشكل أو بآخر وعلى الآقل يحاسبك الله على صدق نواياك و تحصل على أجر النية و المحاولة وإن لم تأتي بالواجب كاملا.

لن يسع من بقي على قيد الحياة من الناس إلا أن يدعوا لك بالرحمة و التثبيت عند السؤال، ولن يمكنك العودة لتخبر الناس بقول ( ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي) 

و لهذا فإننا ندعوا لكل من هو في دار الحق اليوم بالرحمة و المغفرة من الله و أن يكونوا ممن يتحمسون لقيام الساعة لما يرونه من  عالي مقاماتهم في الجنة… 

الآن لنعد إلى الواقع و نراجع أنفسنا أكثر… ونهتم بأنفسنا و قلوبنا أكثر، و نحب الخير لبعضنا البعض و نخدم ديننا أكثر… ولا ننسى أن ندعوا لمن هو الآن في دار الحق صديقنا “ناجي” الذي توفاه الله اليوم… بأن يثبته الله عند السؤال و أن يغفر له و يرحمه وأن يلحقنا به على لا إله إلا الله محمد رسول الله، وأن نجتمع جميعا في جنة الخلد على سرر متقابلين ، بقلوب لا غل فيها ولا لغو ولا تأثيم… 

رحمه الله و كل من هو في دار الحق من المسلمين رحمة واسعة… هدانا الله و إياك لما يجعل إستفاقتنا من هذا الحلم ببشرى القبول و الإطمئنان…

فإعمل الآن لما سيسرك في تلك اللحظة…



شكراً…
أكمل قراءة الموضوع...

الأحد، 7 أغسطس 2016

يوم في حياة ... خروف

By 9:24 م
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته 



صوت صفير خافت ، بتتسلل رياح من فتحات خلفتها مسامير في الصفيح المغطي لكل جانب من جوانب الزريبة … ومعها يتسلل نور الصباح ينير جوانب منها و به يفيق صديقنا الخروف … ومن معه 

سبحان الله ، سبحان الله ، سبحان الله … يرددها بغلته بينه و بين نفسه… 
الركب مثنية و الرأس مطأطأ و الصوف خفيف … يقلل من وطأة حرارة الصيف … يحرك الأضراس يقضمها كأنما يقول لبقية الخراف … أسعدتم صباحا … 

يرفع الرأس و ينتفض واقفا … عند سماع صوت خطوات من الباب تقترب … و تزيل لوح البوابة و تفتحها …

ينظر الجميع إلى بعضهم كل يدعوا الآخر أن يتقدم هو … فيصر الآخر بأن يتقدم هو أيضا … حتى ضاق الخروف بهم ذرعا و تخطّاهم و أخرج رأسه من الزريبة ليتأكد أن الخروج منها مسموح … وأن راعيهم عند البوابة بخطوة إلى الوارء يقف …
تراءت له الساحة الخضراء داعية ، هلم هلم إشبع من عشبي وإملأ بطنك ولا تفكر في من هم خلفك … فهنا ما يكفيكم جميعا … هلم هيا تعال …

الجميع خلفه ينظرون إليه ملجمين الصمت بعد أن كان كل منهم يدعوا صاحبه أن يتقدم ، وإذا بهذا الخروف يتقدمهم … 

خرج دون أن يلتفت إليهم وإنطلق نحو الحقل و خلفه خرج البقية دون تفكير ولا سؤال وأعينهم جميعا تتبعه إلى حيث هو ذاهب … 
أخفض الرأس مباشرة ولم يذخر جهدا في أكل العشب … و هو ينتقي عشباته الخضرأ فالخضرأ … و احيانا تصادف أن رأسه تصطدم بغيره وهما يرغبان  في أكل ذات العشبة التي وقعت عليها أعينهما معا … وما يلتقطها أحدهما حتى يلتفت الآخر الى غيرها و يستمر كل منهم في السير على خط لنفسه دون تخطيط … يتبع فيه الأخضر من العشب … حتى تأخذهم أرجلهم إلى أماكن لم يسبق لهم أن مرو بها ، و يأكلوا أعشابا بنكهات لم يسب لهم أن تذوقوها … و يجدوا أحيانا من يمنعهم عن الإستمرار ليعودوا مجددا إلى حيث البقية …
سبحان الله ، سبحان الله ، سبحان الله … يرددها بلغته بينه و بين نفسه … 

إنتصفت الشمس فوق الرؤوس فإشتد الضمأ بأحد الخراف … فأخذ يسير نحو بركة الماء ليشرب … وما كان من البقية إلا أن تبعوه و تبعه الخروف أيضا … أروى ضمأه و إلتفت نحو شجرة قريبة ، تُظلل تحتها … فإنصرف إليها … ليتبعه جمع منهم … إقترب من بقعة أعجبته … أرخى نفسه مستلقيا ثانيا الركب ممدا الرأس مجترا ما لديه من عشب … وإسترخى … في تلك الجلسة … تارة يرفع رأسه وهو يجتر … تارة خرى  يثنيه نحو جسده ، على الأرض يريحه …
سبحان الله ، سبحان الله ، سبحان الله … يرددها بلغته بينه و بين نفسه … 
مالت الشمس عن قلب السماء لتهدأ أشعتها و تهب نسمة تجلب معها رائحة رطب العشب لتخترق أنف الخروف … فينهض … ومعه ينهض البقية … و يشغل نفسه من جديد في أكل العشب … سارحا من إتجاه إلى آخر … عينه تنتقل من عشبة يأكلها إلى عشبة سيأكلها بعدها … وإذا ما رأى خروفا آخر مبتهجا بما وجد من خصب عشب … حتى إتجه نحوه ليأخذ نصيبه منه أيضا …

لا يتوقف الجميع عن الرعي حتى يسمع صوت صفير الراعي مناديا أن اليوم أوشك على الإنتهاء … ليعود الجميع إلى الزريبة … و يغلق الباب من جديد …
إنزوى الخروف في جانب وألقى بنفسه … وهو يردد سبحان الله ، سبحان الله ، سبحان الله … 

وهو يعيد و يجتر ما أكل من عشب … حتى طأطأ الرأس و غط في نوم خفيف … إنتهى بصوت صفير خافت ، بتتسلل رياح من فتحات خلفتها المسامير في الصفيح  … ومعه شيء من نور الصباح …


شكراً…



أكمل قراءة الموضوع...

الثلاثاء، 2 أغسطس 2016

الصُلح خير ...

By 9:01 م
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته 





رُكنت السيارات بتناثر حول القاعة التي أقيم فيها الإجتماع من أجل الصلح بين الأسرتين ، بوساطة من عقلاء و وجهاء كلا من الطرفين ، وكما هي العادات و التقاليد في هكذا إجتماعات مبرمجة من أجل المصلحة المشتركة و إبعاد شبح الخصام وتعمقه و إنتشار عدواه ،  لم ينطق أحد بكلمة فيما يخص أسباب المشكلة حتى ألقي بالأطباق و القِصاع أمام الجميع ، وليمة لها بداية و لم يراعى لها نهاية ، و يصعب وصف مافيها وما لحقها من فواكه و مرطبات ومشاريب وأطباق جانبية و مقبلات …
وما أن إنتهى الجميع من بذل الجهد في إلحاق لقمة بلقمة وأمتدت الأرجل و إنتفخت البطون ، حتى قدمت أكواب الشاي و الجميع  بدا وكأنهم أصيبوا بمخدر تمهيدا لإجراء عملية جراحية … أرخت منهم الأطراف  و تنملت والأعين نعست وإرتخت … 

أديرت أكواب الشاي ، خضراء و حمراء مكسوة برغوة ذهبية و بيضاء ومعها ورقة نعناع في وسطها ملقية…  أرتشفت و على الأرض وضعت … و إنطلقت على إثرها الإشارات إلى الوجهاء منهم و كبارهم ليبدأ الحوار و يعقد الصلح ، وهو أملهم في هذا اللقاء … 

تنحنح شيخ كبير و عدل جلسته وإستقام فيها وهو يفرك شنبه و يعدل لباسه ، ليصمت الجميع و ينصت لما سيقول بإهتمام ، فلهذا إجتمعوا و له أعمالهم تركوا و هو لب الموضوع و ليس الوليمة … 

إفتتح الشيخ الوقور الهادئ الكلام بسم الله و بالصلاة على رسول الله و من تبعه بإحسان إلى يوم أن على الحوض بإذن الله سنلقاه ، و أثنى خيرا على الجمع بالمديح و الشكر و طيب الكلام ، و شكر بزيادة أهل الكرم و الضيافة الكرام ، و أفصح عن سبب هذا الإجتماع ، بأننا مهما حدث فنحن أبناء عمومة و بيننا نسب و أخوّة و أرحام ، ولا يجب أن ننسى كل هذا و تأخذنا الحمية و نخاصم بعضنا ، و يتفرق شملنا و تضعف قوتنا ، مهما حدث ومهما بدر عن أي طرف من الأطراف ، و زاد في التوضيح أن هذه الوجوه الطيبة التي على الخير إجتمعت ، غرضها واحد ، وهو إصلاح ذات البين وإرجاع المياه لمجاريها ، و أن ما يطلب منهم سيتم تنفيذه لأجل إرضاء الجميع وإحقاق الحق و تحقيق العفو و تأصيل الأخوة والنسب ، و أكد أنه يأمل في أن لا يُرد هذا الجمع خائبين وأن أهل الكرم و الجود سيكونوا لطلبهم من الملبين … ولسنا نطلب أكثر من أن تعفوا عن ما بدر من إبننا من خطأ في لحظة غضب و خروج عن طور العقل و التسرع ، و نعدكم بأنه سيصلح خطأه و أنا أعطي لكم مني شخصيا وعداً بأن هذا لن يتكرر ، فما رأيكم إخوتي الحاضرين الكرام أهل الجود و الشهامة و الكرم .

أنهى كلماته ناظرا إلى شيخ الطرف الآخر و من بقربه جالسين ، حتى يسمع رأيهم و ردهم فيما عرض وقدم من عذر وطلب … ونظراته مليئة بأمل القبول حتى تهدأ الأنفس و تصفو و تعود المياه إلى مجاريها … 
تنحنح شيخ من بين الشيوخ المصطفين و شبك يديه و سمى الله و على نبيه أثنى و صلى و سلم … وقال:
أما أنكم أهل الجود و الشهامة و الكرم ، فهذا يشهد به القاصي و الداني ، ولا أحد يمكنه أن يرد لكم طلب وقد حضرتم جميعا و شرفتم مجلسنا و تقاسمتم لقمتنا ، و يكفي ما بيننا من مصاهرة و قرابة قديمة و صلة رحم و دم … فمن نحن من دونكم ، و من أنتم من دوننا ، كلنا نكمل بعضنا و ندعم ، و لسنا غرباء على بعضنا البعض ، و نستحي أن نردكم بوفاض خالي ، بعد أن شرفتم منزلنا بهذه الوجوه الطيبة و القلوب الصافية النقية ، التي تمد الخير و تطرد الشر …
نظر لمن حوله من شيوخ أسرته الذين وكلّوه ليتحدث عنهم نظرة تفحص و إستعلام ، ليستمر في القول …

أما أننا نسامح في حقنا … فإننا نفعل ولا نرضى إلا بالخير بيننا ، ولكننا لنا عتب لا بد أن نذكره ، و عتبنا عتب أخوة و عتب محبة و تقريب … لا عتب غضب و زيادة تجريح وفرقة … 

هز الشيخ الآخر رأسه موافقا واضعا يده على صدره مطئطئا الرأس قابلا بما قاله الشيخ ، و تبعه في ذلك الحضور … فإسترسل الشيخ قائلا … 

عتبنا أن إبنكم كان الأجدر به أن يتريث قبل أن يتخذ قراره و يخطو خطوته الغير مبررة بإلغاء الصداقة بينه و بين إبننا بعد ما قرأ له بعض التعليقات التي لم تعجبه و خالفت رأيه … و أننا نؤكد أن إختلاف الرأي يجب أن يبقى ضمن إطار ذاك الرأي فقط ، ولا ينتقل إلى الأختلاف الشخصي مع قائله ، فأنت اليوم رفضت رأيي و إعترضت عليه ، ستقبل رأيي غدا ، في مسألة أخرى و نتفق فيها ، وهذا ما يجب أن يحدث ، ولا يجب أن ينتقل إختلافنا في الآراء إلى كرهنا لبعضنا و محاربة بعضنا و اللجوء إلى إلغاء الصداقة دون سابق إنذار و يلحقها بالحظر أيضا ؟!… 

ثارت ضجة تمتمات بين الحاضرين لإستغرابهم من أن المسألة وصلت إلى الحظر ، وهم على إعتقاد أن المشكلة كانت فقط أن إبنهم قام بإلغاء صداقة الآخر و لم يصل الأمر للقيام بحظره … فطأطأ الجمع رؤوسهم خجلا من هذا الفعل و كلهم أسف و إعتذار من الشيخ … و بذلك إنتهى الخلاف وقُبل الصلح و وعد أن الحظر سيزال و أنه سيتم إعادة الصداقة بطلب جديد وأن إبنهم سيوافق عليه حالا … و ليس بالضرورة أن يتفق الجميع على رأي واحد في كل المسائل ، و لكن من المهم أن يتفق الجميع أنهم على دين و دمهم واحد …

وقف الجمع شهودا على إرسال طلب صداقة جديد من الهاتف ليوافق عليه الآخر مباشرة في حينه وأعينهم بالدمع تكاد تفيض ، و يرى الجميع أن كل منهم أصبح في قائمة أصدقاء الآخر وألحقها بإعجاب على صورته الرمزية ، زيادة في تأكيد عودة العلاقة لطبيعتها … وسط تهليل و تكبير وإعجابات من الكبير قبل الصغير و فرحة غمرتهم أنه مازال بالإمكان إقامة الصلح بين الأخوة بوجود العقلاء المتفهمين من الطرفين مهما كان عمق المشكلة و خطرها  … 



شكراً
أكمل قراءة الموضوع...