بقعة واحدة ، لسان واحد ، سماء واحدة ، والبحث عن الاتفاق الجوهري

.

السبت، 17 مارس 2018

الإعتصام...

By 10:20 م
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته




إستغرب عميد القرية عندما أفاق مفتقدا بعض الأصوات التي إعتاد سماعها عند إستفاقته كل يوم حتى أنه شك في أن يكون قد فقد السمع، قفز من فراشه عن النافذة أزاح الستار، ليلقي بنظره خارجا، لتؤكد عينيه أن سمعه بخير ، فليس ثمة ما سيصدر الأصوات وليس ثمة قطيع ولا راعٍ يقوده إلى مرعاه ... 
نادى على زوجته قائلا... هل مر الراعي مبكرا اليوم على غير عادة؟ 
لتقول قبل أن تجيبه ، إفطارك جاهز ، نعم؟ قالت متسائلة ، لا لم يمر أحد لابد أنه في الطريق الآن ، ليس من عادته أن يتأخر... هيا قبل أن تتأخر أنت على عملك...
لابد أن هناك خطب ما ، فلم أسمع ولا أرى أثرا للراعي والأغنام اليوم، سأمر عليه لعله يشتكي مرضا ويحتاج من يلازمه ويساعده... 

كانت الخراف في حظائرها في كل بيت ، كان من المفترض أن يمر عليه الراعي ويخرجها معه إلى المرعى... وأهالي القرية يتساءلون عنه وما الخطب وكيف سيتصرفون وأغنامهم تحتاج للرعي ، وكيف سنطعمها الآن!!... هل سيتبرع أحد بأخذ مكان الراعي ، هل سأترك عملي وأتفرغ لرعي الأغنام الآن؟ تعالت الأصوات والتساؤلات وقد أخرج كل منهم أغنامه وتبع عميد القرية الذي كان يلقي بالسلام ويقول لكل من قابله... أنا ذاهب لتفقده لعله أصيب بمرض ما أو أصابه مكروه، لا ندري... 
وما أن وصل الجميع إلى بيت الراعي عند آخر القرية حتى وجدوه جالسا على كرسيه وكلبه مددا بجانبه وأغنامه هو أيضا في حظيرتها... 
فسأله عميد القرية قائلا... خيرا إن شاء الله لا تبدو مريضا أو بك سوء هل من خطب ما منعك اليوم من الذهاب بالأغنام إلى المرعى كعادتك؟
فقال الراعي بهدوء تام ، لن أذهب إلى المرعى بعد اليوم وليذهب كل منكم بغنمه بنفسه...
تعالت الأصوات بالتساؤلات ، كيف تقول ذلك وأنت تعرف أننا لدينا أعمال نحتاجها جميعا وتحتاج منها أنت أيضا، ومن يعرف المرعى أكثر منك ، نحن لا نجيد التعامل مع الأغنام كما تفعل أنت... وهل سأترك زوجي المريض وأخرج بالأغنام لوحدي؟ ... وماذا عن أحوال القرية أنتركها لأجل رعي أغنامنا؟ 
رفع يده ليصمت الجميع ... وقال ... إن كنتم ترون أهمية عملي وضرورته لإستمرار أعمالكم... لماذا تبخسونني حقي وأجرتي إذا؟ رضيت بالأجرة المتدنية لسنين ولكن ليس بعد الآن...
دهش الجميع مما قاله وإلتفتوا إلى عميد القرية منتظرين رده على ما قال الراعي... 
فقال عميد القرية دون أن يلتفت إليهم ... أهذا كل ما في الأمر؟ ألم نعدك بأننا سنزيد في أجرتك وعقد الإتفاق!؟ 
وعدتم نعم ولكن هل زادت الأجرة؟ لا لم تزد ولم تتغير ظروف العمل وأرى أنك زدت نعجة جديدة مشيرا إلى أحد الحاضرين وهذا لم يكن إتفاقنا ، أنتم لا تدرون ماهي ظروف العمل عندما تكون مسؤلا عن القطيع كله هناك في البرية ومحاولة البحث عن مرعى أفضل ، من أجل من؟ إليس من أجل خرافكم؟ ورغم أنني أعجز عن توفير أساسيات حياتي بما تعطونني من أجر، إلا أنني أعمل دون توقف وأبذل جهدي كاملا ، فقاطعه العميد قائلا ، ولكننا إتفقنا على زيادة الأجر ... وأنت وافقت ولم تعترض حينها...
نعم إتفقنا ولكن أين هي الزيادة؟ لم أرى شيئا ، ولن أعود للعمل حتى أرى ما سيكون أجري...

إلتفت عميد القرية لأهالي القرية المتجمعين خلفه وإحلولقوا وأخذوا يتهامسون ، والراعي يناظرهم من بعيد يحاول جمع طاقته وخبرته كلها في أذنه حتى يسمع ما يتهامسون به ، وهو يرى علامات التعجب والإعتراض والتصبير والموافقة والإنزعاج تتناقل بين وجوه المتحلقين... ولكنه لم يستطع الخلاص إلى نتيجة حتى ، إنفضت الحلقة وإقترب العميد منه وخلفه أهل القرية وقال ، حسنا إتفقنا على زيادة أجرتك بما طلبت دون تأخير ، ولكن شرطنا أن لا يحدث هذا الأمر مجددا ، وأن لا ينقطع المرعى عن خرافنا مهما حدث ، أراد الراعي المقاطعة ولكن العميد أوقفه وقال ، إلا إذا كانت هناك ظروف قاهرة جدا كالبرد والمطر ... فصمت الراعي وشعر بإرتياح لقبول أهل القرية وهو يقول في نفسه ، خيرا فعلت أن أوقفت العمل حتى إنصاعوا لما أريد... وكان يجدر بهم أن يزيدوا الأجر دون اللجوء إلى تعطيل أعمالهم ومضيعة الوقت على خرافهم أيضا...
صاح أحد أهل القرية ، إليك الخراف إذا ولنعد لأعمالنا... الوقت مازال مناسبا للخروج ، وقد وفرنا عليك جمعها جميعا وهي عندك الآن... 

عاد أهل القرية أدراجهم وهم يتحاورون عن ما حدث وكيف أنه فرض عليهم أن يزيدوا أجره ، وكان بعضهم مرتاحا لأنهم وجدوا الحل وأنه سيأخذ خرافهم إلى المرعى ، ليعود كل منهم لنمط يومه المعتاد... وهم يرون الراعي يسير بالقطيع نحو المرعى... فشعروا بإرتياح أن المياه عادت لمجراها ... وشكروا عميد القرية على حكمته وقراره ... وقد إقترح أحدهم أن يقيم له إحتفالا لهذا النجاح... ولكن البعض الآخر إعترض لإنشغاله وإن كان عميد القرية أهل لذلك وأكثر... 

بذات الإستغراب وزيادة أفاق عميد القرية وهو ينتظر سماع صوت القطيع وأجراسه ولكنه إفتقده... فوقف أمام النافذة ولكنه لم يرى قطيعا ولا راعيا ولا لهم أثر في الطريق قادمين أو مارين ... فخرج قاصدا بيت الراعي ، ليجد أن خرافه ليست في مكانها ، وكذا وجد أهل القرية كل يفقتد خرافه ليرافق عميد القرية إلى بيت الراعي أيضا ... حتى وصل الجمع ليرى مشهدا غريبا أوقفهم مكانهم...

فقد كانت كل خرافهم مجتمعة في ساحة الراعي والراعي وكلبه يحاولان حثهم على الخروج ، ولكن بدا وكأن الخراف متحلقة بينها وبين بعض وتناقش أمرا مهما ، أو هكذا بدا للجميع... وما أن رأى الراعي الجميع أتاهم كمن يطلب النجدة... 
تعالوا لينظر كل منكم لخرافه إنهم يرفضون الخروج إلى المرعى ويرفضون التحرك من مكانهم رغم كل ما فعلت... 

فسأله أحدهم وكيف إجتمعوا؟ 

فقال الراعي لا أدري أفقت كالعادة لأجمع الخراف من حظائركم... وجدتهم جميعا على هذه الحالة ، ولكنني عندما أردت قيادتهم كما العادة رفض القطيع التحرك أو الإستجابة لكل محاولاتي لحثهم على التحرك ، حتى أن الكلب عجز وتأخر هو أيضا ... 

سيطر الإستغراب على الجميع... وكل منهم ينظر إلى خرافه ليتأكد أنها متواجدة ومحاولا فهم ما يجري... وإذا بالجميع يقفون مشدوهين لتقدم خروف دونا عن البقية ، ليقف أمامهم جميعا... كمن يريد إلقاء كلمة...

فإستدار الراعي ووقف مع أهل القرية بجانب عميدها... وهو ينظر مستغربا كالبقية... حتى قال الخروف...

لن نخرج بعد اليوم إلى المرعى مع هذا الراعي الكسول الذي لا يؤدي واجبه ولا يقوم بما يقوم به إلا طمعا فيما تعطوه من أجر، فإن كنتم تريدون أن نرعى ونسمن ونعطيكم حليبنا ولحمنا وصوفنا ، فإننا نطالب بمعاقبة هذا الراعي لأنه لا يأخذنا إلى المراعي الصالحة للأكل، بل يتحجج ببعدها وبالتعب وبثقل المسئولية وكثرة المهام ويمضي يومه في أرض قاحلة لا تحمل إلا القليل من العشب الذي نجد أنفسنا مضطرين لتقاسمه حتى نستطيع الإستمرار فيما نفعله لتجدوا فينا شيئا من اللحم عند الحاجة أو بعض الحليب ، ولكن ليس بعد اليوم، إما ان تأتونا براعٍ يخاف الله ويؤدي واجبه على أكمل وجه أو أننا لن نخرج إلى المرعى أبدا وسنعتصم ونضرب عن الطعام... ولتبحثوا لأنفسكم عن قطيع جديد لا يكون مثلنا... 


شكراً...



0 التعليقات: